كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أجيب: بأنّ هارون إنما قال ذلك خوفًا من أن يتوهم جهال بني إسرائيل أنّ موسى غضبان عليه كما هو غضبان على عبدة العجل أي: فلا تفعل بي ما تشمت به أعدائي فهم أعداؤك فإنّ القوم يحملون هذا الفعل الذي تفعله بي على الإهانة لا على الإكرام {ولا تجعلني مع القوم الظالمين} أي: الذين عبدوا العجل مع براءتي منهم بالمؤاخذة أو بنسبة التقصير ولما اعتذر له أخوه وذكر شماتة الأعداء.
{قال رب اغفر لي} أي: ما حملني عليه مما صنعت بأخي {ولأخي} أي: اغفر له ما فرط في كفهم عن عبادة العجل إن كان وقع منه تفريط وضمه إلى نفسه في الاستغفار ترضية له ودفعًا للشماتة عنه {وأدخلنا في رحمتك} أي: بمزيد الإنعام علينا {وأنت أرحم الراحمين} فأنت أرحم بنا منا على أنفسنا قال الله تعالى: {إنّ الذين اتخذوا العجل} أي: إلهًا يعبدونه من دون الله تعالى فهذا هو المفعول الثاني من مفعولي اتخذوا {سينالهم غضب} أي: عقوبة {من ربهم وذلة في الحياة الدنيا} وهي خروجهم من دارهم، وللمفسرين في هذه الآية طريقان الأوّل أنّ المراد بالذين اتخذوا العجل الذين باشروا عبادة العجل.
فإن قيل: أولئك تاب الله عليهم بسبب أن قتلوا أنفسهم في معرض التوبة على ذلك الذنب وإذا تاب الله عليهم فكيف ينالهم الغضب والذلة؟
أجيب: بأنّ ذلك الغضب إنما حصل لهم في الدنيا وهو نفس القتل فكان ذلك القتل غضبًا عليهم والمراد بالذلة هو استسلامهم أنفسهم للقتل واعترافهم على أنفسهم بالضلال والخطأ، وقيل: خروجهم من ديارهم لأنّ ذل الغربة مثل مضروب.
فإن قيل: السين في قوله: {سينالهم} للاستقبال فكيف تكون للماضي؟
أجيب: بأنّ هذا إنما هو خبر عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل ثم أخبره الله تعالى في ذلك الوقت أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة فكان هذا الكلام سابقًا لوقته وهو القتل الذي أمرهم الله تعالى به بعد ذلك، والطريق الثاني: أنّ المراد بالذين اتخذوا العجل الذين كانوا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فوصف اليهود الذين كانوا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم باتخاذ العجل وإن كان ما فعل ذلك إلا آباؤهم لأنهم رضوا بفعلهم ولأنّ العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما يفعل ذلك في المناقب يقولون للأمم: أفعلتم كذا وكذا؟ وإنما فعله من مضى من آبائهم. ثم حكم عليهم بأنهم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذلة في الحياة الدنيا كما قال تعالى في صفتهم: {ضربت عليهم الذلة والمسكنة} البقرة.
{وكذلك} أي: كما جزيناهم {نجزي المفترين} أي: كل مفتر في دين الله فجزاؤه غضب الله في الآخرة والذلة في الدنيا، قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا ويجد فوق رأسه ذلة ثم قرأ هذه الآية لأنّ المبتدع مفتر في دين الله.
{والذين عملوا السيئات} أي: عملوا الأعمال السيئة ويدخل في ذلك كل ذنب حتى الكفر {ثم تابوا} أي: رجعوا عنها إلى الله تعالى: {من بعدها} أي: من بعد أعمالهم السيئة {وآمنوا} أي: وصدقوا بالله تعالى بأنه لا إله غيره وأنه يقبل توبة التائب ويغفر الذنوب وإن عظمت {إنّ ربك} أي: يا محمد أو يا أيها الإنسان التائب {من بعدها} أي: التوبة {لغفور} أي: ستور عليهم محاء لما كان منهم {رحيم} بهم أي: منعم عليهم بالجنة وفي الآية دليل على أنّ السيئات بأسرها صغيرها وكبيرها مشتركة في التوبة وأنّ الله تعالى يغفرها جميعًا بفضله ورحمته فإنّ عفوه وكرمه أعظم وأجل وهذا من أعظم ما يفيد البشارة والفرح للمذنبين التائبين، وتقدير الآية: أنّ من أتى بجميع السيئات ثم تاب إلى الله تعالى وأخلص التوبة فإنّ الله يغفرها له ويقبل توبته.
{ولما سكت} أي: سكن {عن موسى الغضب} أي: باعتذار هارون وبتوبتهم فعند ذلك سكن غضبه وهو الوقت الذي قال: رب اغفر لي ولأخي، وفي هذا الكلام استعارتان استعارة بالكناية في الغضب عن الشخص الناطق واستعارة تصريحية أو تخييلية في السكوت عن طفء غضب موسى وسكون هيجانه وغليانه، وقال عكرمة: إنّ المعنى: سكت موسى عن الغضب فقلب كما قالوا: أدخلت القلنسوة في رأسي والمعنى: أدخلت رأسي في القلنسوة {أخذ الألواح} أي: وكما دعا لأخيه منبهًا بذلك على زوال غضبه عليه فكذلك أخذ الألواح التي ألقاها منبهًا على زوال غضبه، قال الإمام الرازي: وظاهر هذا يدلّ على أن شيئًا منها لم ينكسر ولم يبطل وأن الذي قيل من أن ستة أسباع التوراة رفعت إلى السماء ليس الأمر كذلك اه. ومرّت الإشارة إلى ما يدلّ على الجمع بين ما هنا وبين ما مرّ {وفي نسختها} أي: ما نسخ فيها من كتب والنسخ عبارة عن النقل والتحويل فإذا نسخت كتابًا من كتاب حرفًا بحرف فقد نسخت ذلك الكتاب فهو نقلك ما في الأصل إلى الفرع لأن الألواح نسخت من اللوح المحفوظ والنسخة فعلة بمعنى مفعولة كالخطبة، وقيل: إنّ موسى عليه السلام لما ألقى الألواح فتكسرت صام أربعين يومًا فردّت عليه في لوحين، وعلى قول من قال: إنّ الألواح لم تكسر وأخذها موسى بعينها بعدما ألقاها يكون المعنى: وفي نسختها أي: المكتوب فيها {هدى} أي: بيان للحق {ورحمة} أي: إرشاد إلى الصلاح والخير، وقال ابن عباس: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب {للذين هم لربهم يرهبون} أي: يخافون.
فإن قيل: التقدير: الذين يرهبون ربهم فما الفائدة في اللام في قوله: {لربهم}؟
أجيب بأوجه: الأوّل: أنّ تأخير الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفًا فدخلت اللام للتقوية ونظيره قوله تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} يوسف.
الثاني: أنها لام الأجل والمعنى: للذين هم لأجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة، الثالث: أنه قد يزاد حرف الجرّ في المفعول وإن كان الفعل متعدّيًا كقولك: قرأت السورة وقرأت بالسورة.
{واختار موسى قومه} أي: من قومه فحذف الجارّ وأوصل الفعل إليه فنصب يقال اخترت من الرجال زيدًا، واخترت الرجال زيدًا، وأنشدوا قول الفرزدق:
منا الذي اختير الرجال سماحة ** وجودًا إذا هب الرياح الزعازع

قال أبو علي: والأصل في هذا الباب أنّ في الأفعال ما يتعدّى إلى المفعول الثاني بحرف الجرّ ثم يتسع فيحذف حرف الجرّ فيتعدّى إلى المفعول الثاني من ذلك قولك: اخترت من الرجال زيدًا ثم يتسع فيقال: اخترت الرجال زيدًا، وأستغفر الله من ذنبي وأستغفر الله ذنبي قال الشاعر:
أستغفر الله ذنبًا لست محصيه

ويقال أمرت زيدًا بالخير وأمرت زيدًا الخير قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

قال الرازي: وعندي فيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير: واختار موسى قومه لميقاتنا وأراد بقومه المعتبرين منهم إطلاقًا لاسم الخير على ما هو المقصود منه وقوله: {سبعين رجلًا لميقاتنا} عطف بيان وعلى هذا الوجه فلا حاجة إلى ما ذكر من التكلفات {فلما أخذتهم الرجفة}.
روي أنّ الله تعالى أمره أن يأتيه في سبعين رجلًا من بني إسرائيل فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال: ليتخلف منكم رجلان، فتشاحوا فقال: لمن قعد أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع وذهب معه الباقون.
روي أنه لم يصب إلا ستين شيخًا فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشبان عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخًا، وقيل: كانوا أبناء ما عدا العشرين ولم يتجاوزوا الأربعين قد ذهب عنهم الجهل والصبا فأمرهم موسى عليه السلام أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ثم خرج إلى طور سينا لميقات ربه وكان أمره أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود من الغمام حتى غشي الجبل كله ودنا موسى فدخل فيه وقال للقوم: ادنوا وكان موسى عليه السلام إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه الحجاب ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجدًا فسمعوه يكلم موسى يأمره وينهاه وافعل لا تفعل فلما فرغ من أمره ونهيه وانكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا: له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهي الرجفة فماتوا جميعًا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه {قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل} أي: من قبل خروجهم إلى الميقات {وإياي} معهم فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهموني إذا رجعت إليهم وما هم معي وعنى بذلك: أنك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرهما فترحمت عليهم بالإنقاذ منهما فإن ترحمت عليهم مرّة أخرى لم يبعد من عميم إحسانك، وقال وهب: لم تكن تلك الرجفة موتًا ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرجفة حتى كادت أن تبين منهم مفاصلهم فلما رأى موسى ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت واشتدّ عليه فقدهم وكانوا له وزراء على الخير سامعين مطيعين فعند ذلك دعا وبكا وناشد ربه فكشف الله تعالى عنهم تلك الرجفة واطمأنوا وسمعوا كلام ربهم وذلك قوله تعالى: {قال} أي: موسى {رب لو شئت أهلكتهم من قبل} أي: من قبل عبادة العجل وإياي بقتلي القبطي {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} أي: عبدة العجل وظنّ موسى أنهم عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل وقال هذا على طريق السؤال، وقال المبرد: هو استفهام استعطاف أي: لا تهلكنا وقد علم موسى عليه السلام أنّ الله تعالى أعظم من أن يأخذ بجريرة الجاني غيره، وقيل: بما فعل السفهاء من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكان ذلك قاله بعضهم {إن هي} أي: ما هي {إلا فتنتك} قال الواحدي: الكناية في هي تعود إلى الفتنة كما تقول: إن هو إلا زيد، والمعنى: أنّ تلك الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك أي: اختبارك وابتلاؤك وهذا تأكيد لقوله تعالى: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} لأنّ معناه لا تهلكنا بفعلهم فإنّ تلك الفتنة كانت اختبارًا منك وابتلاء أضللت بها قومًا فافتتنوا بأن أوجدت في العجل خوارًا فزاغوا به وأسمعتهم كلامك حتى طمعوا في الرؤية هديت قومًا فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك فذلك معنى قوله: {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} ولما أثبت أنّ الكل بيده تعالى استأنف سؤاله في أن يفعل لهم الأصلح فقال: {أنت} أي: وحدك {ولينا} نعتقد أن لا يقدر على عمل مصالحنا غيرك وأنت لا نفع لك في شيء من الأمرين ولا ضر بل الكل بالنسبة إليك على حد سواء ونحن على بصيرة من أنّ أفعالك لا تعلل بالأغراض وعفوك عنا ينفعنا وانتقامك منا يضرّنا ونحن في حضرتك قد انقطعنا إليك وحططنا رحال افتقارنا لديك {فاغفر لنا} أي: امح ذنوبنا {وارحمنا} أي: اشملنا برحمتك التي وسعت كل شيء {وأنت خير الغافرين} أي: لأنّ غيرك يتجاوز عن الذنب طلبًا للثناء أو للثواب أو دفعًا للصفة الخسيسة وهي صفة الحقد ونحوه وأنت منزه عن ذلك فتغفر السيئة وتبدلها حسنة.
أي: أوجب أو أثبت أو اقسم {لنا} أي: في مدّة إحيائك لنا {في هذه الدنيا} أي: الحاضرة والدنية {حسنة} أي: حسن معيشة وتوفيق طاعة {وفي الآخرة} أي: واكتب لنا في الحياة الآخرة حسنة وهي الجنة ثم علل ذلك بقوله: {إنا هدنا} أي: تبنا {إليك} أي: عما لا يليق بجنابك وأصل الهود الرجوع برفق والهود جمع هائد وهو التائب ولبعضهم:
يا راكب الذنب هدهد ** واسجد كأنك هدهد

قال بعضهم: وبه سميت اليهود وكان اسم مدح قبل نسخ شريعتهم ثم صار اسم ذم بعد نسخها {قال} الله تعالى لموسى: {عذابي أصيب به من أشاء} من خلقي أذنب أو لم يذنب لا اعتراض علي {ورحمتي وسعت} عمت وشملت {كل شيء} من خلقي في الدنيا ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين «إنّ رحمتي سبقت غضبي» وفي رواية: «غلبت غضبي» وأمّا في الآخرة فقال تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون} الله: {ويؤتون الزكاة} وخصها بالذكر لنفعها المتعدّي ولأنها كانت أشق عليهم، قال قتادة: لما نزل {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: أنا من ذلك الشيء فقال تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} {والذين هم بآياتنا يؤمنون} ولا يكفرون بشيء منها فأيس إبليس منها وتمناها اليهود والنصارى وقالوا: نحن نتقي ونؤمن بآيات ربنا فأخرجهما الله تعالى بقوله: {الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ} وإنما سماه رسولًا بإضافته إلى الله عز وجل لأنه الواسطة بين الله تعالى وبين خلقه لرسالته وأوامره ونواهيه وشرائعه إليهم ونبيًا لأنه رفيع الدرجة عند الله ثم وصفه بالأميّ وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ وهي صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: «نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» والعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرؤون أي: الخط والنبيّ صلى الله عليه وسلم كان كذلك، قال أهل التحقيق: وكونه أميًا بهذا التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه:
الأوّل: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظومًا مرّة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها فلابد وأن يزيد فيها أو أن ينقص عنها بالقليل والكثير ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع أنه ما كان يكتب ولا يقرأ يتلو كتاب الله تعالى من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير فكان ذلك معجزة وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} الأعلى.
الثاني: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لكان متهمًا في أنه ربما طالع كتب الأوّلين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة كان ذلك من المعجزات وهذا هو المراد من قوله تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون} العنكبوت.
الثالث: تعلم الخط شيء سهل فإن أقلّ الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعي فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم ثم إنه تعالى آتاه علوم الأوّلين والآخرين وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من الخلق ومع تلك القوّة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلًا وفهمًا فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جاريًا مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجارية مجرى المعجزات وهذا الاتباع تارة يكون بالقوّة فقط لمن تقدم موته على زمانه صلى الله عليه وسلم وتارة يخرج من القوّة إلى الفعل كمن لحق زمان دعوته فمن علم الله تعالى منه أنه لا يتبعه إذا أدركه لا يغفر له ولو عمل جميع الطاعات غير ذلك وعرّفه لهم بجميع خواصه حتى لا يتطرق إليه عند مجيئه ريب ولا يتعلل في أمره بعلة ولذلك اتبعه.